لمحة عامة عن حاستي الشم والتذوّق واضطرابهما

1560 مشاهدة

بما أن اضطرابات الشم والتذوّق نادرًا ما تكون مهددة للحياة، فقد لا تحظى بالعناية الطبية الضرورية. ولكن يمكن لهذه الاضطرابات أن تؤثر في الجانب النفسي للمريض، لأنها قد تفقده القدرة على التلذذ بالطعام والشراب والاستمتاع بالروائح العطرة. كما أنها قد تتداخل مع قدرة المريض على ملاحظة المواد الكيميائية أو الغازات الضارة، وبالتالي فقد يكون لها عواقب وخيمة. يمكن لضعف حاسة الشم والتذوّق أن ينجم في بعض الأحيان عن حالة مرضية خطيرة، مثل السرطان.

ترتبط حاستا الشم والتذوّق ببعضهما ارتباطًا وثيقًا. تساعد الحليمات الذوقية في اللسان على تمييز الطعم، في حين تساعد الأعصاب في الأنف على تمييز الروائح. يتم نقل كلا النوعين من الإحساس إلى الدماغ، الذي يقوم بدوره بمعالجتها معًا وبالتالي تمييز النكهات والاستمتاع بها. يمكن تمييز بعض النكهات الذوقية، مثل الطعم المالح والمر والحلو، دون الحاجة إلى حاسة الشم. إلا أن النكهات الأكثر تعقيداً (مثل طعم التوت) تتطلب كلاً من حاسة التذوّق والشم لتمييزها.

 

كيف يتمكن الإنسان من تذوق النكهات

يحتاج الدماغ إلى معلومات حول رائحة وطعم المادة للتمييز بين معظم النكهات. يتم إرسال هذه الأحاسيس إلى الدماغ من الأنف والفم. تقوم عدة مناطق من الدماغ بدمج هذه المعلومات، وتمكين الأشخاص من التعرف إلى النكهات والاستمتاع بها.

تحتوي منطقة صغيرة من الغشاء المخاطي الذي يبطن الأنف (الظهارة الشمية) على خلايا عصبية متخصصة، تسمى بمالستقبلات الشمية. تمتلك هذه المستقبلات تبارزات شعرية (أهداب) يمكنها الإحساس بالروائح. تُحفز الجزيئات التي يحملها الهواء عبر ممر الأنف تلك الأهداب، مما يؤدي إلى إطلاق سيالة عصبية في الألياف العصبية المجاورة. تمتد الألياف العصبية نحو الأعلى من خلال العظم الذي يشكل سقف التجويف الأنفي (الصفيحة المطوية cribriform plate) ثم تتصل هذه الألياف بخلايا عصبية متضخمة يُطلق عليها اسم البصلات الشمية olfactory bulbs. تشكل هذه البصلات الشمية الأعصاب القحفية للشم (الأعصاب الشمية). تنتقل الإشارات العصبية من خلال البصلات الشمية على امتداد الأعصاب الشمية وصولاً إلى الدماغ. يقوم الدماغ بتفسير الإشارة العصبية كرائحة مميزة. كما تتحفز منطقة الدماغ المسؤولة عن ذاكرة الروائح والنكهات، والتي تقع في الجزء الأوسط من الفصّ الصدغي. تساعد تلك الذاكرة الشخص على التعرف إلى الروائح التي سبق التعرض لها وتمييزها.

هناك الآلاف من براعم التذوّق الصغيرة التي تغطي معظم سطح اللسان. يحتوي برعم التذوق على عدة أنواع من المستقبلات التذوّقية المزودة بأهداب. يختص كل نوع من البراعم الذوقية بالإحساس بواحدة من خمسة نكهات أساسية هي: الحلو أو المالح أو الحامض أو المر أو الطعم اللاذع (ويُدعى أيضًا أومامي، وهو طعم الغلوتامات أحادية الصوديوم). يمكن الكشف عن هذه النكهات في جميع أنحاء اللسان، إلا أن بعض مناطق اللسان تكون أكثر حساسية من الأخرى تجاه كل نكهة. تكون ذروة اللسان أكثر حساسية تجاه الطعم الحلو، في حين أن الجوانب الأمامية للسان تكون حساسة أكثر للطعم المالح. أما جوانب اللسان فتكون أكثر حساسية تجاه الطعم الحامض، في حين يكون الثلث الخلفي من اللسان أكثر حساسية تجاه الطعم المر.

يحفز وجود الطعام في الفم الأهداب، مما يثير إشارة عصبية في الألياف العصبية القريبة، والتي ترتبط بالأعصاب القحفية الخاصة بالتذوّق (العصب الوجهي والعصب البلعومي اللساني). تنتقل الإشارة العصبية على طول هذه الأعصاب القحفية وصولاً إلى الدماغ، الذي يقوم بتفسير مزيج الإشارات العصبية الورادة من المستقبلات الذوقية المختلفة كنكهة مميزة. عندما يدخل الطعام الفم ويبدأ الشخص بمضغه تجري معالجة المعلومات الحسية حول رائحة الطعام، ونكهته، وملمسه، ودرجة حرارته من قبل الدماغ وإدراك نكهته المميزة.

يُعد الفقدان الجزئي للشم (ضعف حس الشم hyposmia) والفقدان الكامل للشم (فرط حس الشم anosmia) من اضطرابات الشم والتذوّق الأكثر شُيُوعًا. وبما أن تمييز نكهة عن أخرى يعتمد بدرجة كبيرة على الرائحة، ولذلك فإن أول علامة يلاحظها المرضى عند تراجع قدرتهم على الشم هي عدم قدرتهم على الإحساس بنكهة الطعام الذي يتناولونه.

صورة تشريحية لمراكز حاستي الشم والتذوّق

 

الشم

يمكن للقدرة على الشم أن تتأثر بالتغيرات الحاصلة في الأنف، أو في الأعصاب المتجهة من الأنف إلى الدماغ، أو في الدماغ. فعلى سبيل المثال، إذا كانت المجاري الأنفية مسدودة بسبب الإصابة بنزلة برد، فقد تتراجع قدرة المريض على الشم بسبب عدم وصول الروائح إلى المستقبلات الشمية (الخلايا العصبية المتخصصة في الغشاء المخاطي المبطن للأنف). وبما أن القدرة على الشم تؤثِّر في الإحساس بالطعم، فإن الطعام يبدو في كثير من الأحيان بلا طعم عند المرضى الذين يعانون من الزكام. يمكن للمستقبلات الشمية أن تتضرر مؤقَّتا بسبب العدوى بفيروس الأنفلونزا. قد لا يتمكن بعض المرضى الإحساس بالرائحة أو الطعم لبضعة أيام أو بضع أسابيع بعد الإصابة بالأنفلونزا، ويمكن للإصابة بالأنفلونزا في حالاتٍ نادرةً أن تعطل الإحساس بالشم أو التذوق بشكل دائم.

يكون الإحساس المفرط بالروائح (فرط حس الشم) أقل شُيُوعًا بكثير من فقدان حاسة الشم. من الشائع أن تصبح النساء الحوامل أكثر حساسية للروائح المختلفة. ويمكن لفرط حس الشم أن يكون حالة جسدية نفسية psychosomatic. ويعني ذلك بأن المرضى الذين يُعانون من فرط حس شمي ذو منشأ جسدي نفسي لا يعانون من اضطراب جسدي واضح. يُصيب فرط الحس الشمي ذو المنشأ الجسدي النفسي بشكل أكبر الأشخاص من ذوي الشخصية التمثيلية (الذين يميلون لجذب انتباه الآخرين عن طريق القيام بسلوكيات مثيرة).

يمكن لبعض الاضطرابات أن تشوه الإحساس بالرائحة، فتصبح الروائح غير المؤذية عادةً غير مقبولة (عسر الشم dysosmia). تشمل هذه الاضطرابات كلاً مما يلي:

  • العدوى في الجيوب الأنفية
  • الضرر الجزئي في الأعصاب الشمية
  • سوء العناية الفموية
  • أنواع العدوى الفموية
  • الاكتئاب
  • التهاب الكبد الفيروسي، والذي قد يسبب عسر شم يؤدي إلى الغثيان المثار بروائح غير مؤذية

النوبات العصبية التي تنشأ في جزء الدماغ المسؤول عن ذاكرة الروائح (الجزء الأوسط من الفصّ الصدغي)، والتي قد تُسبب إحساساً كاذباً قصيراً بروائح كريهة قوية (هلوسات شمية). تكون هذه الروائح جزءاً من مقدمات حدوث النوبة العصبية (الأورة aura) ولا تشير إلى وجود اضطراب شمي. العدوى الدماغية الناجمة عن فيروس الهربس (التهاب الدماغ الهربسي) والتي قد تسبب أيضًا هلاوس شمية.

 

التذوق

ينجم انخفاض القدرة على التذوق (hypogeusia) أو فقدان حاسة التذوق (ageusia) عن حالة تؤثِّر في اللسان وتؤدي غالبًا إلى جفافٍ شديدٍ في الفم. ونذكر من الأمثلة على تلك الحالات الإصابة بمُتلازمة شوغرن، والتدخين الشره (لاسيَّما تدخين الغليون)، والمُعالجَة الشعاعيَّة للرأس والرقبة، والتجفاف، واستخدام الأدوية (بما في ذلك مضادَّات الهيستامين ومُضاد الاكتئاب أميتريبتيلين). كما إن عوز التغذية، مثل نقص مستوى الزنك أو النحاس أو النيكل، قد يؤثر في حاستي الشم والتذوّق.

عند الإصابة بشلل بيل Bell palsy (وهو اضطراب يؤدي إلى حدوث شلل في نصف الوجه)، فغالبًا ما تضطرب حاسة التذوق في الثلثين الأماميين من جانب اللسان في نصف الوجه المتضرر. ولكن قد لا يلاحظ المريض هذا الفقدان في حاسة التذوق، بسبب بقاء حاسة التذوق طبيعية في النصف الآخر من اللسان، أو حتى زيادة قوتها كتعويض عن فقدان حاسة التذوق في النصف الأول منه. يمكن لحروق اللسان أن تُسبب تموت براعم التذوّق مؤقَّتا. كما يمكن للاضطرابات العصبية، بما في ذلك الاكتئاب والنوبات العصبية، أن تؤدي إلى ضعف حاسة التذوق.

قد يُعزة تشوه حاسة التذوق (dysgeusia) إلى التهاب اللثة، بالإضافة إلى نفس الحالات التي تؤدي إلى فقدان حاسة التذوّق أو الرائحة، بما في ذلك الاكتئاب والنوبات العصبية. كما يمكن لتشوه حاسة التذوّق أن ينجم عن تناول بعض الأدوية، مثل:

  • المضادَّات الحيوية
  • مضادَّات الاختلاجات
  • مضادَّات الاكتئاب
  • بعض أدوية المُعالجة الكِيميائيَّة
  • مدرات البول
  • الأدوية المستخدمة في مُعالَجَة التهاب المَفاصِل
  • أدوية الغُدَّة الدرقية

ويمكن اختبار حاسة التذوق عن طريق مواد حلوة (مثل السكر)، أو حامضة (مثل عصير الليمون)، أو مالحة (مثل الملح)، أو مُرّة (مثل الأسبرين، أو الكينين، أو الصبار).

 

أضواء على الشيخوخة

تبدأ القدرة على الشم والتذوق بالتراجع تدريجيًا بعد الدخول في الخمسين من العمر. وتُصبح الأغشية المبطنة للأنف أقل سماكةً وأكثر جفافًا، وتتدهور صحة الأعصاب المسؤولة عن الشم. ومع ذلك يبقى بوسع المسنّين استنشاق الروائح القوية، أما الروائح الضعيفة فيكون التعرف إليها أكثر صعوبة.

ومع التقدم في السن، يتراجع عدد براعم التذوق، وتتراجع حساسية البراعم المتبقية. تُقلل هذه التغييرات من قدرة المسن على تذوق الطعمين الحلو والمالح أكثر من الطعمين الحامض والمر. وهكذا فإن العديد من الأطعمة تأخذ طعماً أكثر مرارة.

وبما أن حاستي الشم والتذوّق تتراجعان مع التقدم في السن، فإن مذاق العديد من الأطعمة يبدو باهتاً. وفي كثيرٍ من الأحيان يميل الفم لأن يصبح أكثر جفافاً، مما يقلل من قدرة المسن على الشم والتذوق. ومن جهةٍ أخرى فإن العديد من المسنّين يُصابون باضطرابات أو يتناولون أدويةً تساهم في تفاقم جفاف الفم. وكنتيجة لكل هذه التغيرات، تتراجع شهية كبار السن ويميلون لتناول كمياتٍ أقل من الطعام. وبالتالي فقد لا يحصلون على مستوياتٍ كافية من العناصر الغذائية الضرورية، وقد تتفاقم حالتهم أكثر في حال إصابتهم بحالات مرضية أخرى.

 

 

الكـاتب: Marvin P. Fried
الناشر: msdmanuals.com
شارك هذه الصفحة مع أصدقاءك

اترك تعليقًا

Your email address will not be published.

السابق

بالاستناد إلى الدراسات العلمية، 13 حقيقة عن فوائد القهوة صحيًا